خرائط تتسع للخيال
رحلة سفر عبر صحاري وجبال شبه الجزيرة العربية، عن الوحوش والخوف والأُسرة. رحلة تُظهر قيم ودوافع تلك الشعوب السابقة.
مسافرون تارة على خطى الأنبياء والصالحين رغبة في الأمل والبركة، وتارة على طرق الفاسقين والجبابرة.
الحياة هناك ليست خيالية الأمكنة دومًا، لأنها خرائط أراضٍ مقدسة لخطى النبوة والملائكة. وأيضا خرائط يهابون المرور بها لأنها طرق مفتوحة على السماء والجحيم والغضب كطريق الفيل وأبرهة الحبشي في جنوب شبه الجزيرة العربية.
ما بين الحقيقة والتاريخ والأساطير، ظلت القوافل تسير لسنوات على طريق البخور والحرير والتوابل لباعة وتجار وعبيد لم يدركوا يومًا أن حاسة التذوق والشم واللمس كانت سببًا في تغيير خرائط العالم وفتحت أطماعًا وحروبًا عليهم، أو غنى ورغد وترف عيش.
مروا هناك ببئر وثلاث نخلات وحيدات وظِل وكان هناك مللٌ ومحاولة صيد، ومروا مصادفة بنار القرى وسمعوا حكواتي يحكي لليلِ حكاية جميلات العرب برة ورهم وأم أناس. وشاب طائشُ يهوى التسكع بعيداً عن القوافل نجى من ذئاب اختفت خوفاً من قناديل النار، لكن رحلته انتهت بلا مغامرة سوى انه دهس قشور بيض لطائر الحجل العربي، أم كان لطائر الحسون؟
وسافروا شهورًا عجاف بلا غمامة أو مطر يحملون أباريق آمالهم الفارغة والسراب يخدعهم ليرسموا على الصخور والكهوف ماءًا وكلاب صيد وخيول تركض بهم بعيدا عن الصحراء. أحرقوا بخورهم ولبانهم على نارهم وتعبدوا في هدوء لانتظار معجزةٍ.
ومصابًا محتضرا بينهم يقول من أنا لأوقف رحلتكم؟ ووردة الصحراء تبكي كزهرة ليلية لتوقظه وتشغل فيه حاجته إلى الإنشاد والشعر والحياة. كانوا يحشون جرحه بالقرنفل والبن، وخبير القوافل تحول إلى طبيب ماهر وأشفى جرحه بقوة التوابل والكلمات. وسّجى شاعرهم تحت النجوم حكاية من شعر.
والبحر القديم ورائهم وسفينتان تسبقهم إلى بلاد الحرير والريح حظ وشؤم ونجاة وموت والحيتان تعبرهم وترعبهم، لكن الحرير والزنجبيل بطولة تستحق أن يصادق الأسماك والوحوش من أجلها بعد أن صار نصف رجالهم شجرًا من المرجان في قاع بحر العرب. ورغم ذلك يشعر أنه واحد من أهل هذا البحر ولؤلؤهُ ويحاور الأمواج.
وتمر السنين وجوزة الطيب التي سافر للموت من أجلها يجدها في شعر حبيبته تظفر شعرها حولها وتعطره وتدهنه بشرق آسيا وجنوبها، وحرير جسدها يطغى على حرير الهند والسند بعد أن صنعته عجوز القرية زي من نبات ولون، وتلبسها أمها الأصداف والأحجار واللؤلؤ، ونجار المدينة يصنع مهد طفلها من خشب وزيت. وتعيد الحكاية نفسها في كل بيت وأسرة.