الجزء الثالث: هباء العمر والشعور

مادام لي ذاكرة أقرب للمراهقة منها إلى الشيخوخة، ماذا حصل لي الآن؟

وأنا أعتصر نفسي عصرًا لأقول ما أريد، وأفعل ما أريد، وأفكر كما أريد، وأتخيل الأشياء والألوان كما يفترض أن يكون الخيال حرًاسابحًا في اللامعقول واللامتنبأ واللاشيء. أقّلب الكلمات على أي معنى يروق لي، وأفصل الأدوار والشخصيات على من حولي بدقة وجدية; ونسيت أنه في وقت ما ستكون أدوار هزلية أراها الآن نكتة سخيفة وعبثية مفرطة، وجنون محض.

ما نفع حكمتي الآن بدون فتوّة وصِبا وأحلام حرة متبرئة من قيودها؟ بلا نظرة صباي عندما كنت أحمل الدنيا على كتفي حبًا وشغفًا .وشفافية

عندما لم أكن اضع للمسميات مساحيق زينة، ولم أكن أبحث عن معانٍ ألطف لآرائي النابضة بالحياة والعمق والصدق.عندما كنت أفكر في أبديتي بين قصص آلهة الخلود، متى توقفت سفني على الماء؟ ومتى نزلت منها لأني أخشى الإبحار؟

وابحث عن السلام، أقصد سلامهم. ذلك السلام الكامن في التفاصيل المرسومة بدقة جريان الدم والنبضات من وجهة نظرهم.


متى اختلف الإيقاع؟

أعتقد بأني أعلم يقينًا أن إيقاعي اختلف عند أول حادثة تحطم قلب مررت بها فاختلفت النبضات وضاع الإيقاع.

فمن أنا وحدي الآن؟ بعدما تكاثرت الثعالب والقنافذ والضفادع والبهلوانات.

لم نكبر كثيرًا يا أنا.

فالمنظر والرائحة والملمس ما زالت واحدة.

حتى لو انفصل الزمان عن المكان، مازالت الأصوات واحدة. تبني العصافير أعشاشها بالطريقة ذاتها، تنتصب أنوار الشوارع كما كانت; ونسيم الربيع، ورائحة الأرض المبتلة، كما كانت في الصبا. ما زلت ألمس النخيل كلما رأيته وألمس أوراقه رغم حدتها.

لعلنا لم نكبر أبدا. أو ذاك كان شبحي.

Previous
Previous

الجزء الثاني: ولد العار عندما انقطع الوحي عن قلبها

Next
Next

فن الهروب: النوستالجيا