ألغام منزلية
أذكر أنها ترددت في البداية، "أممم، البيت؟ هل يحتسب من ذلك شعوري المرتعش عند دخولي من باب المنزل، أسير على أطراف أصابعي؟"، لفتني هذا الجواب من إحدى الصديقات حين سألتها عن أول مايتبادر لذهنها عندما يُذكر لها موضوع البيت. في مقهانا المعتاد، بعيدًا عن السير على أطراف الأصابع. سألتها بحذر مفرط، "ولماذا تسيرين على أطراف أصابعك؟"، أجابت، "لا أعلم، اعتدت ذلك منذ زمنٍ طويل حتى نسيت السبب الحقيقي، أم أنها أسباب عدة تراكمت ويصعب علي فهمها الآن؟". فسألتُها، "تصوّري لو دخلتي البيت بوضع قدمكِ كاملةً على الأرض وأحدثتي صوت وجلبة بحذائكِ أو بكعبكِ، ماذا سيحدث حينها؟" فردّت، "على حسب نوع الحذاء الذي أرتديه وقتها، هل هو حذاء عمل أم حذاء سهرة…" وضحكت متندرة بوضعها المنزلي الفريد في خصوصيته.
"لنفترض أنكِ مشيتي داخل المنزل بقدمٍ من حديد كما يقول المثل، ماذا سيحدث في أسوأ احتمال ممكن؟". فردت بجدية وكأني توهمت ضحكتها الفكاهية منذ بضعة لحظات، "سينكسر البيت على أصابعي كفخار او سأنكسر أنا من فرط الرعب، لأني أخشى مواجهة والديّ وأسئِلتهم المعتادة: أين كنتِ ولماذا تأخرتِ ولماذا لم تجيبي على اتصالاتنا؟".
أمعنَتُ التفكير في ردها قليلًا وهي تنظر إلى هاتفها المحمول وكأنها تذكرت بكلامها اتصالات منزلها المعتادة، ثم أعادتهُ على طاولة القهوة بوجهٍ مرتاح البال.
واصلتُ الحديث معها لعلّي أفهم الأسباب الحقيقية خلف عينيها المرعوبتين من القصة.
"من المُلام في هذه الحكاية؟ هل تعتقدين أن كل أسئلة والديكِ تهكمية وتحقيقات قضائية؟" فردّت، "لا أعتقد أن كل أسئلتهم تحمل نفس الغرض، وإنما لأكون معك صريحة، كوني على طبيعتي معكم، أرى أن رعبي الوحيد في الحياة هو أن تُصادر حريتي الشخصية، وأخاف من تحمل المسؤولية التي يفرضها والديّ عليّ. غالبًا مايكون خلف اتصالاتهم طلب لأفعل شيئا للبيت أو لإخوتي كوني ابنتهم الكبيرة فأرفضهُ سرًا وأتجنب كلامهم، وأدخل البيت على أطراف أصابعي لأهرب إلى غرفتي الآمنه بلا مسؤوليات".
بيني وبينها جلست إحدى صديقاتنا تنصت لحديثنا، وحين سمعت جملتها الأخيرة، كسرت صمتها، "آخ، أليست هذه معاناتنا جميعًا؟"، وسألتنا، "ألا تخشون على أنفسكم من الصورة المثالية التي يرسمها لنا كبار العائلة؟ أن نفقد بسببها الأمان داخل المنزل؟".
فقالت لها، "نعم أخشى ذلك! وأتعب من هروبي بهذه الطريقة. أخشى أن أعتاد المشي في الحياة بخطوات محسوبة بالميزان". تعاطفنا معها كثيرًا، وأخذتني أفكاري لبُعد أعمق حين استشعرت أن أينما وضعت قدميّ على هذه الأرض، هناك دائمًا شيءٌ قابلٌ للانفجار أو الصراخ; شخصٌ يضع لنا الألغام في طريقنا، ومهما تعلمنا أساليب خفة المشي كبهلوانٍ على حبل، سنتعلم أخيرًا أن الأراضي في الخارج تشبه أراضي بيوتنا العائلية الأولى.
نكتشف مع الوقت أننا بحاجة لتعلم المشي على أقدامنا كاملة، لنطرق الأبواب ونعلن وصولنا في كل صباحٍ ومساء، ونواجه الحياة بوجه مبتسم ونكبر في اليوم مِئة مرة. سنتأقلم على المسؤوليات والواجبات الاجتماعية وسنتعلم أن نتحايل على واجباتنا وأن نقرأ كتبًا بحثًا عن الشجاعة في كل غرفةٍ وزاويةٍ وزُقاق. نضرب أقدامنا في الأرض، دون خوف من دويّها.
أشعر أنك تواجه صعوبة في تخصيص الوقت لمن تُحب